شريط الملتقى

رسالة الحوار والتقريب

عن الحوار وإشكالات التعصب الديني

بقلم سماحة العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة

يعكس الحوار الديني الراهن صورة المشهد العربي كما هو ولكنه يتحدى واقع الانقسامات المذهبية ويطمح لإصلاحها بقيم المواطنة والعيش المشترك.

ولعل من أنشط البرامج الحوارية هي الأنشطة الملتزمة بمنهاج العقل الأخلاقي الواقعي في مقاربته لاجتماعيات التدين ومشكلاته، وعلى هذا الوعي بالمسؤولية لم يتخل الحوار الصادق عن رسالته في مراعاة المشترك العقدي والإنساني من تراثنا الروحي بعيون المرجعية الأخلاقية للدين وعنايتها بالأساس العقلي والثقافي للحوار المرفوض شكلاً ومضموناً من التعصب الديني وتياراته المنتشرة في العالم العربي والإسلامي من أقصاه إلى أقصاه..

 

والسؤال: ما هو التعصب ومن أين نشأ التعصب الديني..؟
يبدو لي أن التعصب الطائفي ظاهرة دينية تنشأ عن ضيق عقل المتدين بقبول الآخر المختلف وانغلاقه داخل سجن ديني بوهم امتلاكه للحقيقة الدينية المطلقة، وما يتصل بها من مصادرة الحق بالاختلاف وحرية المعتقد.
ولعل أخطر ما في نزعات التعصب، تعطيله لمركز العقل والتفكير، وغالباً ما يغالي المتعصب في التعلق بعصابته ومعصوباته من غير اقتناع أو تفكير.
وإذا كانت للحوار الديني مواقع نجاح ومواضع فشل فإن عوامل الأخير ترتبط عادة بأسباب التعصب من جهة، وإنكار المنهاج العقلي والأخلاقي في قبول الآخر الديني واحترام كرامته الإنسانية من جهة ثانية من دون أي التفات إلى أن طبيعة النصوص الأولى تتماهى في رؤيتها الخلاصية مع حقوق الإنسان وحريته وحمايتها من أي شكل من أشكال القسر والإكراه التي تلازم التعصب الديني ومنتوجات ظواهره العنفية والإرهابية ضد المخالفين مذاهب ومجتمعات ولا تكاد تستثني من جرائمها أحداً بشهادة ضحاياها من الشيوخ والأطفال والنساء.
ولا يمكن تبسيط الكلام عن ظاهرة التطرف والتعصب الديني بمجرد القول إنها منافية لروح الدين في ينابيعه الصافية أو ربطها بأجهزة الأجنبي وأدواته، فقد نشأت هذه الظاهرة وحافظت على استمراريتها التاريخية وبأنماط مختلفة قد يراها البعض جزءاً أصيلاً من العقيدة الدينية ونظامها التربوي والتعليمي المقرر في المدارس والجامعات، الأمر الذي أظهر حوارات الأديان كأنها داخلة إلى طريق مسدود لن تخرج منه حتى تضع إشكالات التعصب الديني في أولويات نهوضها من أجل حوار التنمية والحياة.
ولذلك طرحنا في مقالة سابقة قضية الالتزام بالواقعية لحوار ديني يتحدى الواقع ويطمح لإصلاحه في مجالين:
أحدهما: الاستجابة لضرورات النأي بمشكلات الدين والتدين عن السجالات السياسية من جهة، وتحرير المؤسسات والجامعات العلمية من ذهنية استحواذها تحت شعار أسلمة العلوم من جهة ثانية.
ثانيهما: تغيير مناهج الحوار الديني نفسه من حوار كان يثير النقاش بشأن العقائد الدينية بمنطق النفي والتكفير إلى حوار يحفز روح البحث في مشكلات الواقع وتحدياته بما في ذلك التلاعب بغرائز التعصب الديني واستثماراته الطائفية والحزبية والسياسية.
ولعل حاجة المذاهب الدينية جمعيها إلى معالجة الأزمات والفتن الناجمة عن التعصب الديني من شأنه توجيه الاهتمام إلى البحث عن إطار قانوني يلجم مخاطر هذه الظاهرة السرطانية التي تهدد الجميع في حاضرهم والمستقبل، ومن ميزات التوافق بشأن هذا القانون أنه يمنح المذاهب الدينية نفسها فرصة استثنائية لتصحيح رؤيتها لعلاقة الدين بالمجتمع من خلال تشكيل اللجان العلمية المشتركة والمتخصصة بإغلاق مصادر التعصب الديني المتسرب إلينا من بعض موروثات الفقه والحديث والتاريخ والتفسير.

وما من شك في أن تراجع مستوى التعليم الديني في الوطن العربي ونكوص دور العلماء وانتشار مظاهر استخدام الدين وسيلة للتوظيف السياسي، وتدني أسلوب المعالجة لأزمة المعرفة الدينية واستبعاد دور الأسرة عن مواجهة هذا التحدي وسوى ذلك من العوامل تركت بصماتها الواضحة على ظاهرة العنف والتعصب وجعلت منه جزءاً من الواقع السياسي وانفجاراته الكارثية في حاضر الأمة ومصيرها المجهول.