شريط الملتقى

أخبار

امين عام ملتقى الأديان والثقافات العلامة الشيخ حسين شحادة حاضر عن التعددية الدينية: تواجه اليوم خطر اختراق الصهيونية للاسلام وإخضاعها وتذويبها في أسيد العولمة
٣ آب ٢٠١٦

استضاف منتدى الأربعاء في مؤسسة الإمام الحكيم العلامة الشيخ حسين شحادة في لقاء حواري بعنوان: "التعددية الدينية وأزمة الخطاب الديني المعاصر" في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والديبلوماسية والأكاديمية والإعلامية".

قدم اللقاء وأداره المحامي بلال الحسيني، تحدث بعدها الشيخ شحادة الذي قدم في بداية كلمته تعريفا لمصطلح "الخطاب الديني"، موضحا أنه مرآة لمنظومة القيم والمفاهيم الكاشفة عن خصائص وميزات هذه العقيدة الدينية أو تلك"، ومشيرا إلى أنه "من عادة هذا الخطاب أن ينشأ من رحم الأحداث الكبرى في تاريخه".

وأضاء الشيخ شحادة على المحور التاريخي لنشأة الخطاب الديني المسيحي، الإسلامي واليهودي، فأوضح أن الخطاب المسيحي المعاصر قد تشكل منذ حروب الكاثوليك والبروتستانت على هاجس التعددية الدينية وتوسيع مفهوم الخلاص وأنسنته، بينما الخطاب الإسلامي المعاصر، فقد تشكل مع بدايات الهجمة الغربية الاستعمارية على العالم الإسلامي وحروبه التي استهدفت روح التعددية في مجتمعاته بإلغاء الذات الإسلامية واستلاب هويتها.أما الخطاب اليهودي المعاصر، فقد تشكل على فكرة النقاء من الأغيار ومعاداة التعددية باعتماده على سياسة "فرن الصهر" التي أطلقها "بن غوريون"، لصهر مكونات المجتمع الإسرائيلي في ثقافة واحدة انتهت بإعلانها عن يهودية الدولة".

وعن التعددية الدينية وملابساتها السياسية وما يقترن بها من تحديات، فقد رأى الشيخ شحادة أن التعددية الليبرالية قد انتهت بإطروحة صدام الحضارات، بينما التعددية الدينية السياسية فهي تنذر، الآن، بخطر استمرار الفتن والحروب النافخة في كير التخوين والتكفير ومذابح القتل على الهويات قتيلة وقاتلة".

واشار الى "ان واقع الأزمات الناجمة عن إدارة التنوع والاختلاف لا تزال ملتبسة في العلاقات الصراعية بين الدين والدولة والمجتمع"، وقال: "إذا كانت التعددية قائمة على الاعتراف بشرعية الآخر وحقه في الاختلاف واحترام الفوارق والخصوصيات الدينية والثقافية ونبذ التمييز العنصري ومنع استحواذ فئة من فئات المجتمع على السلطة واحتكارها بثقافة واحدة مسيطرة، فإن أخطر ما في سلبيات التعددية هو أن تقع في شباك العولمة ونظامها المتوحش، الذي يستهدف تفتيت الهويات وتفكيك الوحدة المجتمعية لقيم الدولة والأمة والوطن".

ولفت إلى "أن بعض الإسلاميين لم يلتفتوا إلى أهمية تثبيت قيم التعددية في الاجتماع الديني السياسي وسياقة مفهومها القرآني في إطار صيغة العيش المشترك، فاعترض المعترضون على التعددية من موقع استبعادها لمرجعية النظام الإسلامي في إدارة التنوع وسلطته السياسية، من دون أي مراجعة نقدية لصدقية وجود هذا النظام في أرض الواقع من جهة وإغفال علاقة التعددية والعيش المشترك بالصراع القائم مع الكيان الصهيوني من جهة ثانية"، مؤكدا "ان هذا الكيان يقوم على نظرية عنصرية إلغائية وإقصائية مفادها، أن وحدة الكيان الإسرائيلي لا تتم إلا بشرط أن يكون المنتسبون لهذا الكيان لهم وحدة الانتماء الديني والطائفي".

واكد ان "إسرائيل" عمدت ولا تزال تعمد على ضرب التعددية والعيش المشترك وتمزيق العالم العربي الإسلامي فيما اصطلح عليه بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وتحويله إلى دويلات طائفية ومذهبية ضعيفة تبرز فيها إسرائيل بوصفها الدولة الأقوى المتحكمة بمصير هذه الأمة المجزأة والكيانات الضعيفة".

وفي عرضه لأزمة الخطاب الديني، تساءل الشيخ شحادة: لماذا فشل خطاب الوحدة والتقريب عن مواجهة هذا التحدي، بل لماذا أصبح الخطاب الإسلامي جزءا من المشكلة فيما نراه من صراع سني ـ شيعي وصراعات إسلامية ـ إسلامية لا تريد أن تحتكم إلى مرجعية القرآن الكريم ودستور المدينة النبوية الأولى وركائزه في إدارة الخلاف واستبدال الصراع بالتنافس والتعاون على البر والتقوى، وحماية المواطن الكاملة والمتساوية في إطار المكون الاجتماعي والسياسي، وتحصين السلم مع الآخر المختلف والآخر النقيض".

ولفت الى "تصدع الخطاب الديني عموما والإسلامي خصوصا في الملعب السياسي العالمي بين حركات تناهض الغرب المستعمر وغرب يستثمر في تناقضات الداخل الإسلامي وانقساماته المذهبية والطائفية، والتبس هذا الخطاب في تمرحله وتحقيقه إزاء التطورات المتسارعة الراهنة في مشهد لا يعكس صورة الدين في جوهره، بل صورة المشهد المأزوم بالفتن السياسية والدينية".

وقال: "قذفت أمام الخطاب الديني مشكلة قلب الوسائل إلى أهداف وتحويل الدين من مشروع لبناء إنسان التقوى والعدالة إلى مشاريع للسلطة وإكراه الناس على ثقافة المذهب الواحد واحتكار تفسير الإسلام وإدعاء تمثيله الحصري، تحت شعارات رفعت بلا وعي موضوعي وفهمي لمضامينها وتطبيقاتها في الداخل الإسلامي المتعدد، ولا سيما شعارات التولي والتبري ولا حكم إلا لله". وقال: "من هنا، بدأت العلاقة السجالية بين الخطاب الإسلامي وذاته ليغدو الشقاق الإسلامي ـ الإسلامي هذه المرة السمة الأساسية لخطابنا الإسلامي المعاصر".

اضاف: "بدل أن يعمد الخطاب الديني على اجتراح صيغة لتحرير العقل الإسلامي من الاستلاب تجاه اجتياحات العولمة الوافدة، وما أفرزته من سموم في ثقافتنا وسلوكنا، وبدل أن يستعيد الخطاب مهمة التوحيد والتحرير وبلورة الأبعاد الإنسانية لثقافة المقاومة، انتقل بمناكفات الفتن وردود أفعالها من قذف حكوماته وأنظمته بالجاهلية إلى قذف مجتمعه ومكوناته الثقافية والدينية بالتخوين والتكفير".

وختم شحادة قائلا: "إن التعددية الدينية التي ذاقت أشد أنواع الاختراق من الصهيونية الإنجيلية في الزمن الماضي، تواجه اليوم خطر اختراق الصهيونية ذاتها للإسلام وخطر إخضاعها وتذويبها في أسيد العولمة التي أعلنت نهاية السياسة والدول والأوطان. ومع ضعف مناعة التعددية باستشراء الأميات الدينية والثقافية، ومع تعاظم الاستبداد الديني والسياسي، يجد الخطاب الإسلامي الإصلاحي نفسه بين خيارين: خيار الانفصال أو خيار المواجهة والانجرار إلى الفتن التي ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات. ولا بديل عن هذا وذاك إلا بمقاربة أزمات الخطاب الديني المعاصر، ومراجعته مراجعة نقدية صارمة وترتيب أولويات المعالجة وفي مقدمها، معالجة إشكالات التعددية في زمن لا يريد أن يستبدل خطاب الـ"أنا" بخطاب "نحن" المفجوعون بأديانهم وأوطانهم وثقافاتهم وقيمهم".

وقد تلا المحاضرة حوار بين الشيخ شحادة والحضور.