شريط الملتقى

مقالات

فضل ضاهر: القوانين غير الرادعة تزيد الميل إلى الجريمة

 يعيش اللبنانيون حالة من الحذر الدائم بعد ارتفاع عدد الجرائم بشكل ملحوظ مؤخراً. لكن ما يزيد من خطورة هذه "الظاهرة"، ان أسباب هذه الجرائم تبدو دائماً قليلة "القيمة"، كما في اعتداء أفراد عائلة واحدة على بعضهم، أو أن يكون مرتكب الجريمة قاصراً. في ظل هذا الواقع، برز بين اللبنانيين سؤال حول الأسباب التي قد تدفع إلى القتل أو الإيذاء. وللإجابة على هذا السؤال أجرت "المدن" مقابلة مع الأستاذ في "الجامعة اللبنانية" في علم الإجتماع القانوني وعلم الإجرام فضل ضاهر



ضعف الإنتماء
في المبدأ، الجريمة هي سلوك إنحرافي. والسلوك الإنحرافي، بالنسبة لضاهر، سواء كان حاداً أم بسيطاً، يُعبِّر عن ضعف ولاء مرتكبه للمجموعة التي ينتمي إليها. ويسمي عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم هذه الحالة بـ"الأنوميا". ومن يرتكب أي جريمة هو أولاً شخص لا يشعر بالإنتماء إلى لبنان كوطن، وثانياً لا يشعر بالإنتماء إلى بيئته المحيطة من عائلة وحي وأصدقاء. ويقود ضعف الإنتماء إلى المجتمع إلى التفلت أو الإنحلال من القواعد الاجتماعية. وإذا توافرت الدوافع النفسية الضاغطة فإن "هذا الشخص يمكن أن يسير باتجاه سلوكيات إنفعالية نفسية-اجتماعية تتسم بالعدوانية والعنف". 

من هنا يمكننا ملاحظة تداخل العوامل التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب أي جريمة. بيد أن غياب أي رادع في المجتمع يزيد من ميل الإنسان إلى التفلت والتصرف "الشخصاني". في هذا الإطار، يذكر ضاهر قولاً لمونتسكيو "حتمية العقوبة أهم من صرامة القضاة". ويشرح ضاهر هذا القول بربطه بالواقع اللبناني قائلاً: "القوانين اللبنانية هي قوانين فاقدة لقيمتها الردعية، ومعظمها يحتاج إلى الكثير من المراسيم التطبيقية والتعديلات. وبالتالي فإن محاولة تطبيق هذه القوانين تبدو أقرب إلى بدعة".

من ناحية أخرى، يبدو أن استخفاف السلطات بالإنسان وإهانتها لكرامته من خلال حرمانه من أبسط حقوقه، واعتمادها سياسات غير عقلانية لحل مشاكله، تؤدي إلى تزايد دوافع ارتكاب الجرائم. فالقانون اللبناني، بالنسبة لضاهر، ينظر إلى الإنسان من منظار قانوني لا إنساني. لكن من الواضح أن هذا الإنتهاك لحقوق الإنسان من قبل النظام القائم ينقلب ضده، في مساهمته في اضعاف هيبة الدولة. وهذا ما يترافق مع نمو الولاءات الفئوية، والتي تبدو أكثر انتظاماً من الولاء للوطن، بالإضافة إلى تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة من قبل المواطنين. وفي السياق نفسه، تترافق هذه الظروف مع إتاحة الوسائل أمام أي شخص لممارسة العنف، إلى درجة شيوعه.


غياب التخطيط
"إن توافر كل العوامل المذكورة أعلاه في المجتمع اللبناني تقودنا إلى توقع انفجار العنف فيه"، يقول ضاهر. بيد أن الحد من تفشي الجرائم ليس صعباً، اذا فكر القيمون على هذا الموضوع بطريقة منهجية وعلمية. لكن الملاحظ في لبنان "غياب التخطيط السليم وإقصاء الخبرات والكفاءات التي يمكنها معالجة هذه الظاهرة"، وفقه

هكذا، يبدو غير مبرر في ظل ما مر على لبنان من حرب أهلية وإغتيالات وجرائم غياب أي مركز للدراسات والبحوث الجنائية. ويعتقد ضاهر أن وجود مثل هذا المركز في لبنان هو خطوة أولى في اتجاه حل هذه المشكلة على أكثر من صعيد. اذ "تقوم هذه المراكز باستقصاء وبحث ميداني لدراسة الطريقة التي حصلت فيها جريمة ما، ومن ثم تصنيفها. وهذا ما يمكّن المختصين من فهم مسار تطور هذه الجرائم وتوقع مستقبلها. وعلى ضوء هذه الدراسات يمكن للدولة أن تعد سياسة عقابية أمنية، فتعدل القوانين لتكون فاعلة ومتفاعلة مع المجتمع".


العلم الجنائي
أما على المدى القريب، ونظراً لغياب أي مؤشرات تدل على وجود نية جدية من قبل الجهات المختصة لمعالجة "ظاهرة" انتشار الجرائم، فإن ضاهر يقترح أن "ندرب أنفسنا على أن نكون الطرف المبادر إلى الصبر والمسامحة ولو كنا ضحية في معظم الوقت. وأن نؤمن بأن الإنسان وقيمته محور كل شيء". كما تترتب على الإعلام أيضاً مسؤولية في رفع الوعي لدى المواطنين وتثقيفهم حول ضبط النفس وحل مشاكلهم بطرق حضارية، وهذا ما لا يبدو سائداً في الراهن. اذ ان "أي عمل فضائحي يثير الغرائز ويساهم في زيادة حدة الأعمال العنفية في المجتمع يُعطى مساحات كبيرة على الهواء التلفزيوني"، كما يقول ضاهر.

ولعل أخطر ما في موضوع انتشار الجرائم "أننا بتنا نعطي الأحداث دوافع لارتكابات بعيدة عن أعمارهم، وهو أمر يستوجب أن نتوقف عنده، فالأجيال الجديدة التي لم تعيش الحرب الأهلية لا يجب أن تنشأ بالطريقة نفسها. لذلك أقترح إنشاء قسم خاص في قوى الأمن الداخلي لرعاية الأسرة وحماية الطفولة، لأنه من غير المقبول مثلاً أن تتحدث طفلة تعرضت للإغتصاب إلى محقق لم يدرس العلم الجنائي، لأنه لن يراعي مشاعرها وشخصيتها المهدمة". وبالنتيجة، فإن ما يقترحه ضاهر يستوجب إدخال المتخصصين في العلم الجنائي إلى الوظائف الأمنية. وفي حين يتوفر هذا التخصص في معهد العلوم الاجتماعية في "الجامعة اللبنانية"، ستباشر كلية الحقوق أيضاً بتوفيره للطلاب في السنة المقبلة. فقد يكون تشجيع الطلاب على التخصص في هذا المجال حلاً قريب المدى لهذه المشكل