شريط الملتقى

مقالات

"أديان" تُواجه بالتربية التطرّف والطائفيّة
٤ حزيران ٢٠١٦

 

بقلم: الأب فادي ضو

وُلدت "أديان" قبل عشر سنين من رحم حرب تموز 2006 كموقف من أكاديميّين وناشطين لبنانيّين رافضين الاستسلام لليأس في مجتمع أثخنت الجراح جسده الممزّق بفعل أعداء الخارج وصراعات الداخل. اتخذت هذه المبادرة شكل جمعيّة مدنيّة عابرة للانتماءات الطائفيّة، تسعى إلى تعزيز العيش معًا وتطوير الإدارة الراشدة للتعدّديّة بين الأفراد والجماعات، على الصعد الاجتماعيّة والسياسيّة والتربويّة والروحيّة.
تبنّت "أديان" في برامجها المتعدّدة مواجهة الطائفيّة بتعزيز ثقافة المواطنة، ومواجهة التطرّف بنشر مبدأ احترام الاختلاف وتثمين التنوّع. وأصبح مفهوم "المواطنة الحاضنة للتنوّع"، الذي طوّرته "أديان" في هذا السياق، مادة للنقاش العلمي والسياسي محليّاً وعالميّاً. كرّمت مؤسّسة تحالف الحضارات في الأمم المتحدة "أديان" على إسهاماتها في هذا المجال بمنحها عام 2013 الجائزة الثانية عالميًّا للتربية على السلام في عالم متنوّع.

الهويّة الوطنيّة والمواطنة الحاضنة للتنوّع
ترتكز مقاربة "أديان" على قواعد نظريّة واضحة تتعلّق بمسائل الهويّة والمواطنة والتنوّع، إذ تعتبر أنّ الهويّة الفرديّة ترتكز على اكتشاف الفرد كرامته النابعة من ذاته الإنسانيّة، وأنّ مجتمع المواطنين يقوم على أساس العقد الاجتماعي الذي يؤمّن المصلحة العامة في إطار مدني، ويعبّر عن الهويّة الوطنيّة المشتركة. يتخطّى هذا المفهوم مقولة الانصهار المأزومة بفعل استحالة ذوبان الجميع في بوتقة آحاديّة الشكل واللون، ويُحرّر من الذهنيّات الطائفيّة المنغلقة على ذاتها. لهذا تُطالب "الشرعة الوطنيّة للتربية على العيش معاً في لبنان، في ظل المواطنة الحاضنة للتنوّع الديني"، بتعزيز مشاركة المواطنين في الحياة العامة على قاعدة المواطنة، حيث يُشكّل التنوّع الثقافي والديني جزءاً من الثقافة الوطنيّة المشتركة.

الإصلاح التربوي مسؤوليّة وطنيّة شاملة
انطلاقاً من مبدأ الشركة بين القطاع العام والمجتمع المدني، سعت "أديان" الى أن يترافق نتاجها البحثي والنظري بالتزام عملي يسهم في إحداث التغيير المطلوب. لهذا السبب تعمل "أديان" منذ أربع سنوات، بالشركة مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء، على تطوير التربية في ما يتعلّق بالمواطنة والتنوّع الثقافي والديني في لبنان، وذلك بالإسهام في وضع المنهج الجديد لمادة التربية الوطنية والتنشئة المدنيّة ووضع دليل مشروع خدمة المجتمع وتطوير مادة الفلسفة والحضارات، منهجًا وكتبًا، وتأمين الموارد الماليّة لذلك بالتعاون مع السفارة البريطانيّة في لبنان.

الفلسفة حصننا في وجه التطرّف
لا شكّ في أنّ مادة الفلسفة والحضارات، تكتسي أهميّة خاصة في هذا السياق الإصلاحي. وقد وضعت "أديان" هذه المادة على رأس أولويّاتها، وترتكز في مقاربتها تطوير المادة على ثلاثة عناوين رئيسية:
أولاً- التأكيد على أهميّة المادة ودورها في تكوين المنهجيّة الفكريّة لدى الطالب المرتكزة على الحسّ النقدي والحوار العقلاني والقدرة على التعامل الإيجابي مع الاختلاف وحريّة الفكر والتعبير، لكي تستطيع الأجيال الصاعدة من مواجهة التطرّف والخطابات الشعبويّة والإيديولوجيّة.
ثانياً- اعتبار الحضارة نشاطًا إنسانياً متعدّد الأبعاد ومتنوّع التجلّيات، يكون فيه الدين أحد مكوّناته، مع ربط الحضارة بالسؤال الفلسفي، بحيث يُقبل الطالب إليها بما تُمثّل من جهد إنساني لإثبات الوجود والعمران والتفاعل الثقافي بين الشعوب.
ثالثاً- التأكيد على أهميّة المكوّنين العربي والوطني لمادة الفلسفة، اللذين يُعزّزان وعي الطالب لانتمائه إلى بيئتة ويُشجّعانه على الانخراط في إشكاليّاتها الفكريّة الراهنة.

التنوّع سبيل للتمنية والإبداع
إنّ موضوع الإدارة الراشدة للتعدّديّة في المجتمعات ليس خياراً بديلاً من المواطنة وبناء العلاقة السليمة بين المواطن والدولة، بل هو في صلب هذا المسار. فالمواطنة لا تنفصل أيضًا عن مسألة العيش معاً السليم بين المواطنين. وقد أصبح تحقيق هذه المعيّة في سياق المواطنة أحد أبرز الإشكالات الراهنة عالميًّا بفعل حركة الشعوب والنزوح الكثيف وتنامي النزاعات المرتبطة بخلفيّات ثقافيّة. لذلك كان خيار "أديان" العمل على أن يكون التنوّع في المجتمعات أحد عوامل بناء الوحدة وتعزيز الإبداع والتنمية بدل اعتباره عائقًا في تحقيقها، آملة أن يستعيد لبنان في هذا المجال دوره النموذجي محليًّا وعالميًّا.

رئيس مؤسّسة "أديان"