شريط الملتقى

مقالات

قل لي أيّ إله تعبد أقل لك على أيّ دين أنت

 

د. نجيب نو الدين

 

اسمحوا لي أن أبدأ بهذا القول الذي فيه الكثير من الجرأة والقليل من الحياء، لكن بقدر ما في هذا القول من خبث، فإنّه ينطوي على الكثير من الحقيقة...

اسمحوا لي أن أبدأ بهذا القول الذي فيه الكثير من الجرأة والقليل من الحياء، لكن بقدر ما في هذا القول من خبث، فإنّه ينطوي على الكثير من الحقيقة...

أليس ما نشهده اليوم من صراع بين الأديان، يجعلنا نشكّك ببداهة الجواب المفترض على سذاجة السّؤال؟!.. بربّكم، إذا كان إله الأديان واحداً، فلمَ كلّ هذه الحروب بين الأديان؟.. وإذا كان المتديّنون يرجون تعبيد النّاس للإله الواحد، فلماذا تُسال كلّ هذه الدّماء باسم الله، وتخاض كلّ هذه الحروب لأجل الله؟ وأيضاً، وبسذاجة متناهية، هل الحوار المرتجى هو حقّاً حوار بين الأديان؟!

فمتى كانت الأديان المنزلة، من ربّ واحد، وذات الحقيقة الجوهريّة الواحدة، تحتاج إلى حوار؟.. الحقيقة أنّنا نحتاج إلى حوار بين من يدّعون الوصاية على الأديان.. هؤلاء الّذين سعوا إلى جعل الإله الّذي وسعت رحمته كلّ شيء، سجين أفهامهم القاصرة والعصبويّة، والّذين حوّلوا الأديان إلى متاريس لحروب لا تنتهي..

وبعد، علامَ يقام حوار الأديان؟:

- على الله، أم على عدالة الله، أم على رحمة الله، أم على المحبّة المتمثّلة بالله، وكلّنا يدّعي ويزايد في توليد هذه المفاهيم، ويُعلي من شأنها نظريّاً، ويجعلها اعتقاداً لا يضارعه فيه أحد..

ألسنا بحاجة إلى حوار يحرّر الله من سجن المتديّنين، ويحرّر الأديان من أسر القابضين على روحها، ويحرّر روحها من مصالحهم على اختلافها؟!

متى كان التديّن يعني إخضاع الله لمشيئتنا، والحقّ لمنطقنا، والعدل لقوانيننا، والالتزام لاجتهاداتنا.. أليس ما نقوم به، نحن البشر المتديّنين، يعاكس مشيئة الله وعدله ورحمته ومحبّته لكلّ عباده؟!

مارسنا الوصاية على الله، فقنّننا حبّه للعباد، وبتنا نحن من يقرّر من يجب أن يحبّه الله، ومن يجب أن يكرهه..

وقنّننا عدل الله، فأجريناه على من هم من الأتباع دون سواهم، وضيّقنا لطفه ومحبّته، فجعلناها للخاصّة من مناصرينا، مستبعدين حتّى من هم من ديننا لكن ليسوا على مذهبنا..

ألا يجب أن يتركّز الحوار بين الأديان، أيّها السّادة، على الكيفيّة التي نعيد من خلالها لله موقعه في عقولنا وقلوبنا وعقائدنا ورسالتنا، وهو مصدر الحبّ والعدل واللّطف والرّحمة.. تلك التي سفحناها في معابدنا بفتاوى الإقصاء والتّكفير، وسفكنا دمها بسيوفنا، وبنزعات الإقصاء والإلغاء؟!

أيها الأحبة، تعالوا نجعل الأديان معابر خلاص من دنيا فانية إلى جنّة تتسع فيها رحمة الله لكل عباده بدل أن نبقيها دوافع صراعات ونزاعات ودماء..

 

الهامش :الكلمة التي ألقيت في افتتاح ندوة "الأديان سبب للصراعات أم خلاص للبشرية".